كانت تحب زوجها، وتحب محادثته، فما إن يدخل بيته حتى تستقبله مُرَحِّبة به مُعبِّرة عن شوقها إليه، وتبدأ في إخباره بكل ماجرى معها طوال غيابه عنها، عما صنعته في بيتها والطعام الذي طبخته له، وعن مكالمة هاتفية أجرتها معها إحدى صديقاتها وماذا دار بينهما خلالها من كلام.
وما إن يجلس زوجها إلى مائدة الطعام لتناول الغداء الذي أعدته له حتى تواصل حديثها إليه شارحة له سبب اختيارها طبخة اليوم، وأنها وجدتها في فيديو على اليوتيوب فأحبّت أن تسعده بها لأنها تعرف محبته لهذا الطعام، ثم تخبره أنها صنعت حلوى علَّمتها إياها صديقتها ليلى، وأنها لم تضعها على المائدة لتجعلها مفاجأة تُدخل بها السرور إلى قلبه.
وبعد أن أنهى زوجها طعامه، وتناول الحلوى التي أحضرتها له من المطبخ، قام إلى المغسلة ليغسل يديه بالماء والصابون، فتبعته تسأله: تفضِّل الشاي أم القهوة؟ أم أُحضِر لك شيئاً من المكسرات التي تحبها؟
التفت إليها وقد ضاق بكثرة كلامها فقال: ألا تستطيعين أن تسكتي؟ ألاتتعبين من الكلام؟!
صدمتها كلماته وأحزنتها، فتركته وتوجهت إلى المطبخ تعيد ما تبقى من الطعام، وتغسل الصحون.
لم يمض على زواجهما سوى أسابيع قليلة، وكان أكثر مايشتكيه في زوجته كثرة كلامها وقلة صمتها، وكان بطبعه يحب الهدوء وقلة الكلام.
التقاه والد زوجته خلال زيارة إليه فسأله عن رضاه عن زوجته فقال: راضٍ عنها يا عمي، لا أشتكي فيها إلا شيئاً واحداً!
سأله عمه: وماهو يا ولدي؟
قال: كثرة كلامها، لاتتعب من الكلام ولاتتوقف عنه ولاتسأم منه.
سأله ثانية: هل تقول لك كلاماً يؤذيك؟
أجاب: أبداً يا عمي، لكنها تتحدث عن كل شيء فعلته وتحكي لي جميع ماجرى معها طوال غيابي عنها!
قال عمه: أرجو أن تسجل لي جميع كلامها الذي تقوله لك من خلال تطبيق التسجيل في هاتفك مع حرصك على ألا تعرف أنك تسجل كلامها.
قال: ألاتصدقني يا عمي؟
قال: بل أصدقك، فأنا أعرف ابنتي، إنها تحب الحديث كثيراً، لكني أريد أن أكافئك على إنصاتك إليها، واهتمامك بحديثها.
قال: كيف يا عمي؟
قال: سأعطيك عن كل دقيقة تنصت فيها إليها ديناراً.
قال: هذا كرم منك ياعمي وفضل.
اتصل الأب بابنته وأوصاها بأن تقلل من حديثها لزوجها وكلامها معه وأخبرها بأنه يضيق بكثرة كلامها وحديثها.
وحين عاد زوجها إلى بيته استقبلته بقولها: أهلاً حبيبي.. الطعام جاهز.
وحين جلس لتناول الطعام شاركته الأكل في صمت دون أن تنطق بكلمة.
سألها: لم تحدثيني عن طعام اليوم؟
قالت: الطعام أمامك يُحدّثك عن نفسه.
سألها: ألم تتصل بك اليوم صديقة من صديقاتك؟
أجابت: لا.
سألها: هل صنعتِ شيئاً من الحلوى الطيبة؟
أجابت: نعم.
وهكذا مضى الوقت دون أن يُسجل من كلام زوجته سوى دقيقة أو دقيقتين.
كان طوال تشغيله تطبيق التسجيل في هاتفه يُردد في نفسه: ليتها تتكلم.
ثم انتبه إلى أنه كان يُردد في نفسه حين كان يضيق بكلام زوجته: ليتها تسكت.
صار يستغفر ربه ويخاطب نفسه: الآن من أجل الدنانير التي وعدك بها عمك صرتَ تتمنى أن تتكلم زوجتك وتُسهب في حديثها، بينما كنت تتمنى قبل ذلك لو أنها تسكت زاهداً في أجر ربك وثوابه سبحانه.
لقد كنت في إنصاتك إليها، وتفاعلك مع حديثها تُدخل السرور إلى قلبها، وفي إدخال السرور عليها أجر أكبر وأعظم من الدنانير التي وعدك بها عمك!!
أما قال النبي (ﷺ): (أفضل الأعمال أن تُدخل على أخيك المؤمن سروراً)؟
أليست زوجتي المؤمنة أقرب إليّ من كثير من المؤمنين؟!
أيها الرجال الكرام أنصتوا لزوجاتكم، وتفاعلوا مع كلامهن، واهتموا بأحاديثهن، فإنكم بهذا تسعدونهن وتدخلون السرور على قلوبهن، فيثيبكم ربكم ثواباً جزيلاً، ويؤجركم أجراً عظيماً.
ومع هذا الأجر وذاك الثواب؛ تكسبون محبتهن، وتستميلون قلوبهن، فيصبحن لكم مطيعات، وعليكم حريصات، وبكم مهتمات.