استراتيجية إعطاء الخيار لا تحديد المسار
هل نعطي أبناءنا خيارات أم نفرض عليهم مسارات، سؤال تربوي مهم يحدد الاتجاه الوالدي في التربية. الفرق بين الاتجاهين كبير والشخصية الناشئة من كلا المسارين مختلفة وتصل لدرجة التناقض.
إن أعظم منحة ربانية للإنسان وأعظم قوة يمتلكها البشر – بالمفهوم الإنساني – هي قوة الاختيار. وهي جزء مهم من المسؤولية الكبرى التي حملها الإنسان حين رفضتها باقي المخلوقات. فهل ننشئ أبناءنا على قوة الاختيار أم نربيهم على فرض المسار؟!
هل قوة الاختيار مسألة لا تخص الطفل وتخص الكبار فقط؟ سنحاول في هذه الاستراتيجية الجديدة، الحديث عن مهارة إعطاء الخيار وكيف نمارسها في حياتنا الأسرية.
إعطاء الخيار لأبنائنا.. نشاط في حاضرهم وانطلاق في مستقبلهم
إنَّ تقديم الخيار هو أداة قوية جداً، يمكن استخدامها مع الأطفال في سن الطفولة المبكرة حتى سن المراهقة، هذه مهارة واحدة يجب على كل والد أن يضعها كالوشم على يده، كمذكّر ثابت، إذ يجب على الأطفال أن يستخدموا هذه المهارات يومياً، أو حتى مرات عدة في اليوم.
إعطاء الأطفال الخيارات هو طريقة فعالة جداً لتشجيع تعاونهم، لأن الأطفال يحبون أن يمتلكوا امتياز الخيار.
إنه يخفف من ضغوط المطالب، ويسمح للطفل بأن يشعر بأنه في دائرة السيطرة، وهذا بالتالي يجعل الطفل راغباً بالطاعة أكثر.
واستخدام الخيار هو طريقة، وأسلوب فعال لتحقيق النتائج المرجوة، بينما تسمح للأطفال أن يتعلموا ضبط النفس، وأن يطوروا مهارات صنع القرار الجيد، عندما تقوم بعرض الخيارات عدة مرات يومياً، فإنك تقدم معروفاً كبيراً لأطفالك.
عندما يتعلم الأطفال عمل خيارات بسيطة كالحليب، أو العصير مثلاً، فهم يحصلون على الممارسة المطلوبة لعمل خيارات أكبر..
إنَّ هذه الخيارات تعطيهم المقدرة عندما يكبرون ليصنعوا قرارات أكثر أهمية: التوفير، أم الإنفاق؟ تدرس، أم ترسب؟
إنَّ إعطاء الأطفال خيارات تسمح لهم أن يتعلموا الإصغاء إلى إحساسهم الداخلي، إنها المهارة القيّمة التي سيحملونها معهم إلى سن البلوغ، وتوجد نقاط عدة رئيسية لتتذكر عند استخدام الخيارات:
فليكن منحك الخيار صحيحاً مثمراً
اعرض الخيارات المبنية على عمر الطفل الواحد، وعلى هدفك، فإن الطفل في سن الطفولة المبكرة يستطيع أن يتعامل مع خيارين، والطالب في المرحلة الأساسية يستطيع أن يتعامل مع ثلاثة إلى أربعة خيارات.
يمكن إعطاء المراهق خطوطاً عريضة، عليك أن تتذكر عرض الخيارات التي ستساعدك في خيار يختاره طفلك، وإلا لن تكون منصفاً، فعلى سبيل المثال، ربما تقول الوالدة: «إما أن تأكل البازلاء، أو تذهب إلى غرفتك» ولكن عندما
يقوم الطفل من مقعده، فالأم تصرخ قائلة: اجلس، وتناول غداءك.
والد آخر يسأل ابنه: «ماذا تريد أن تأكل على الإفطار؟». عندما يجيب الطفل «أرز ولحم» يجيب الوالد: «هذا ليس طعام الإفطار، اختر شيئاً آخر».
توجد هنا بعض الطرق التي تستطيع من خلالها استخدام الخيار:
هل تريد عصيراً؟ أم حليباً؟
هل تريد عمل واجبك على طاولة المطبخ، أم على طاولة غرفة الأسرة؟
هل تريد حل الواجبات قبل القيلولة أم بعدها؟
استخدم الوقت خياراً
إن الفكرة الرائعة في استخدام الخيار، عندما يكون في الحقيقة خياراً واحداً مقبولاً، هو أن تعرض خيار الوقت، أو التسلسل، فهذا الأسلوب يبقيك مسيطراً على النتيجة، بينما تعطي الطفل بعض المرونة في تلبية احتياجاتك.
بعض الأمثلة لهذا الأسلوب:
هل تريد أن تلعب لخمس دقائق أخرى، أم لعشر دقائق؟
ماذا تريد أن تعمل أولاً؟ أخذ القمامة؟ أم تنظيف غرفتك؟
هل تريد أولاً أن ترتدي قميصك، أم بنطالك؟
إذا رفض الأطفال فعليك أن تختار لهم.
إذا كان الطفل غير راغب في اختيار أحد الاختيارات التي قدمت له، إذن ببساطة اسأله: هل تحب أن تختار بنفسك، أم أختار لك؟
أما إذا كان طفلك عنيداً، ويرفض الاختيار، فتستطيع القول: «أفهم أنك تريدني أن أختار لك» ومن ثم واصل العمل حتى تنجزه، فمثلاً: إذا كنت تحاول أن تخرج طفلك الذي لم يدخل المدرسة بعد إلى الباب في الصباح فاسأله: «هل تريد أن تلبس حذاءك العادي، أم حذاءك الخفيف؟» يقول: «لا أريد أن أخرج» فبإمكانك القول: «أعرف أنك تريدني أن أختار لك» ثم تقرر أن تلبسه حذاءه وتقوده إلى الباب «بدون مضايقة أو صراخ»
إنَّ المشكلة الرئيسية في الخيار هو الطفل الذي يصنع قراره بنفسه، فمثلاً: «عبد الله، هل تريد أن ترتدي ملابسك أولاً، أم تنظيف أسنانك بالفرشاة؟» فيرد «عبد الله» «أريد أن ألعب». بإمكانك أن تبتسم، وتقول: «هذا لم يكن أحد الخيارات» ثم تبتسم ثانية، وتعيد السؤال: هل تريد أن ترتدي ملابسك أولاً، أم تنظف أسنانك بالفرشاة؟
قالت إحدى الأمهات التي كانت تتعلم دروساً: إنها تستخدم هذه المهارة بنجاح عظيم في البيت، لقد كان هذا بعد العشاء إذ قالت لزوجها: «هل تحب أن تنظف الصحون؟ أم تأخذ الأطفال إلى النوم؟» قال: «أنت تفرضين هذا الخيار عليّ!»
أطفال مختلفون وخيارات مختلفة
وبالرغم من أنه مهم جداً للأطفال أن يتعلموا كيفية صنع الخيارات، فإن هذا يساعد الوالدين على فهم شخصية طفلهم، ومزاجه، وتجربته عندما يعرضونه لحرية صنع القرار.
يحتاج الوالدن إلى معرفة أي القرارات التي يمكن أن يقوم بها أطفالهم، وتلك التي لا يستطيعون القيام بها، بغض النظر عما يود الأطفال عمله، كي نتجنب الإحباط، والمنازعات عند المساعدة في بناء مهارات صنع القرار لطفلك، إن من المهم أن تمارس بعض السيطرة على الخيارات ثم تقوم على توفيرها بوضوح.
توجد آلاف الخيارات التي يمكن أن تعمل من قبل أي طفل. إنَّ عرض الخيارات مهم جداً لا سيما عندما تتعامل مع هذه القضايا لأنك تملك سلطة، وسيطرة قليلة، فماذا يلبس أطفالك؟ وماذا يأكلون؟ ومن هم أصدقاؤهم؟ ومتى ينامون؟ ومتى يذهبون إلى الحمام؟
إن تقديم الخيارات للأطفال هو طريقة سليمة لتشجيع تعاونهم، وتجنب الصراع الذي غالباً ما ينفجر عندما تعطي الوالدة أو الوالد أمراً ما.
عندما تكون حريصاً، وتفكر مليّاً حول متى، وكيف تعرض خياراتك، وعندما تحترم الاختيارات التي يعملها طفلك، بذلك تساعده، وتساعده على تطوير مهارات مهمة في الحياة.
إن المكسب الإضافي هو عندما يختار الأطفال خططهم للعمل، فإنهم يعملونها حتى ينجزوها بفرح، لذلك: هل تريد أن تبدأ بعرض الخيارات اليوم، أو غداً؟